النظريات التقليدية للضبط الاجتماعي

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


1-   نظرية روس: النظرية الطبيعية
‌أ-     فكرة النظام الطبيعي:
تمثل هذه الفكرة جوهر نظرية روس الذي ذهب إلى أن هناك نظاما طبيعيا يتغلغل في كل الأفعال الإنسانية، ويقوم على وراثة الإنسان لأربع غرائز طبيعية وهي: المشاركة أو التعاطف، الجماعية أو القابلية للاجتماع، الإحساس بالعدالة، ورد الفعل الفردي.
وتمد هذه الغرائز الإنسان بنظام تكاملي كما تعمل على تدعيم العلاقات الاجتماعية على مستوى شخصي وودي وكلما تطور المجتمع زادت العلاقات غير الشخصية القائمة على التعاقد، وذلك بسبب ضعف الغرائز الاجتماعية للإنسان وسيطرة المصلحة الشخصية عليه. وبالتالي فإن المجتمع في هذه المرحلة الانتقالية مسئول عن القيام بوظيفة هذه الغرائز الاجتماعية. وهو يستطيع أن يقوم بتلك الوظيفة عن طريق آليات تضبط علاقات الفرد الذي يتميز بالأنانية بغيره من الأفراد.
ونتيجة لذلك كلما أصبح المجتمع أكثر مدنية وتحضرا زادت درجة الضبط التي يمارسها اتجاه أعضاءه الأفراد. وهذه النزعة العدوانية من الفرد اتجاه المجتمع تدفع الثاني إلى أن يضبط الفرد عن طريق حيل مصطنعة.
ويرى روس أن هذا النظام الطبيعي يحدث دون أي فن أو تصميم، وأن هناك مجتمعات قديمة كانت تعتمد عليه اعتمادا كليا. ولذلك فإن جزءا من الضبط في يومنا هذا يعتبر طبيعيا وجزءا آخر مصطنعا. وأن ظهور الرأي العام والقانون والدين وغيرها من العوامل الاجتماعية أو وسائل الضبط الاجتماعي قد استغرق وقتا طويلا.
‌ب-  التفرقة بين العوامل الأخلاقية والعوامل الاجتماعية:
o    العوامل الأخلاقية: تتمثل العوامل الأخلاقية في الغرائز الطبيعية التي توجد لدى كل فرد وأولاها التعاطف الوجداني أو العاطفة الطبيعية بالرغم من أنها ليست هي العامل الرئيس في بناء المجتمع، إلا أنها تعتبر بلا شك أساسا هاما في تكوين الأسرة بصفتها نظاما اجتماعيا... فالتعاطف هو الطريق الذي يوصل المجتمع إلى حالة النظام الاجتماعي والتوازن.
وهناك غريزة ثانية وهي غريزة الجماعية أو القابلية للاجتماع التي تدفع الناس إلى الإحساس بالحاجة للاتصالات الاجتماعية والتي حل محلها الآن العقل وأصبح الناس يدركون أهمية الاجتماع بدلا من الشعور بالحاجة إليه.
وأما الغريزة الثالثة فهي غريزة الإحساس بالعدالة والتي تجعل الفرد يربط بقيم مصالحه واهتماماته ومصالح الآخرين واهتماماتهم.
ويضيف إلى تلك الغرائز مبدأ رد الفعل أو العين بالعين والسن بالسن الذي يمثل خاصية أخلاقية أولية تميل إلى المساواة بين الناس عن طريق تدعيم الحقوق الطبيعية المتعادلة، وهو العامل الأول من عوامل النظام والأمن.
o    العوامل الاجتماعية: أما العوامل الاجتماعية فهي التي تظهر في الرأي العام والقانون والمعتقد والإيحاء الاجتماعي والتعليم والعادات الجمعية والدين الاجتماعي والمثل العليا والقيم والتنوير.
‌ج-  التمييز بين وسائل الضبط وأنواعه:
فرق روس بين نوعين أساسين للضبط وهما: الضبط الاجتماعي وهو ذلك النوع من الضبط التي تمارسه الكتلة الاجتماعية كلها، بالإضافة إلى بعض مراكز الهيبة والتأثير فيها، وهذا النوع من الضبط لا ينبع من فرد أو جماعة أو طبقة معينة بل من المجتمع كله، ومن أهم وسائله القانون والعرف والدين والفن والرأي العام والقيم. أما الضبط الطبيعي فهو الذي ينبع من طبقة معينة تعيش على حساب بقية المجتمع، أو أنه عبارة عن ممارسة السلطة عن طريق طبقة معينة تعمل من أجل مصلحتها الخاصة.
‌د-   طبيعة الضبط الاجتماعي:
إن طبيعة الضبط الاجتماعي كما يفسرها روس تتذبذب بين القوة والضعف، بين الجمود والمرونة. وهناك عدة أسباب لهذا التقلب أهمها تغير الحاجة الاجتماعية ذاتها، وتغير عادات الناس وثقافاتهم.
وللضبط الاجتماعي حدودا يجب أن لا يتعداها، وفي هذا الصدد يضع مجموعة قوانين تحدد طريقة تدخل المجتمع في الضبط وهي:
القانون الأول: إن كل زيادة في التدخل الاجتماعي يجب أن توجه أهدافها إلى الأشخاص بوصفهم أعضاء في مجتمع لا باعتبارهم أفرادا.
القانون الثاني: يجب أن لا يكون التدخل الاجتماعي من الشدة بحيث يثير ضده عاطفة الناس أو ميلهم إلى الحرية.
القانون الثالث: يجب أن يحترم هذا التدخل المشاعر التي تساند النظام الطبيعي وتؤيده.
القانون الرابع: يجب أن لا يكون التدخل بصورة تؤدي إلى انقراض المظاهر الأخلاقية السيئة.
القانون الخامس: يجب أن لا يحد التدخل الاجتماعي من الصراع من أجل البقاء لدرجة أن يقضي على عملية الانتقاء الطبيعي.
هـ- مقاييس فاعلية الضبط الاجتماعي:
·       اعتماده على الأساليب الداخلية عن طريق ضبط الإرادة الإنسانية من خلال النموذج بدل من التركيز على الأساليب الخارجية كالعقاب.
·       البساطة، ذلك أن طريقة الردع عندما تكون معقدة تواجه بمشاكل عديدة.
·       التلقائية، حيث أن أفضل أنواع الضبط هي التي تظهر أثناء تجمع الناس وتعاملهم معا.
الانتشار، وهو الضمان الوحيد ضد توقفه أو تعطله.
2-   نظرية سمنر: نظرية الضوابط التلقائية
اهتم سمنر في كتابه عن الطرائق الشعبية بدراسة مسائل الضبط الاجتماعي، وخصوصا ما تعلق منها ببلورة وتقنين الأنماط التقليدية، وهو يقول بهذا الصدد: "إن الطرائق الشعبية عبارة عن عادات المجتمع، وأعرافه، وطالما أنها محتفظة بفاعليتها فهي تحكم –بالضرورة- السلوك الاجتماعي، وبالتالي تصبح ضرورة لنجاح الأجيال المتعاقبة". أما عن السنن الاجتماعية، فهو يرى أنها تتضمن الحكم الذي يوصل إلى الخير الاجتماعي، ويمارس عملية القهر على الفرد لكي يلزمه بإتباعها، وهو لا يرتبط بأية سلطة، ومن ثم فإن الفكرة الأساسية عند سمنر تنصب على أن الصفة الرئيسية للواقع الاجتماعي- كما تتبين من علاقات الأفراد المتبادلة- تعرض نفسها بطريقة واضحة في تنظيم السلوك عن طريق العادات الشعبية، إذ أنها تعمل على ضبط التفاعل الاجتماعي، وهي ليست من خلق الإرادة الإنسانية. وللأعراف أهمية بالغة عند سمنر، لأنها هي التي تخلق النظم والقوانين، والنظام عبارة عن فكرة وبناء، ويفرق سمنر بين النظم الاجتماعية العادية والنظم المقننة أي القوانين. وهو يرى أنه من المستحيل أن نضع حدا فاصلا بين الأعراف والقوانين، وأن الفرق بينها يكمن في صورة الجزاءات ذاتها، حيث أن الجزاءات القانونية تعتبر أكثر عقلانية وتنظيما من الجزاءات العرفية.
3-   نظرية كولي: نظرية الضبط الذاتي
    وكان موقف كولي من المجتمع ووحداته موقفا واقعيا خالصا، حيث أنه أصر على تأكيد عدم انقسام الكل الاجتماعي إلى أجزائه، وذهب إلى أن الحياة الروحية التي تعتبر عنصرا دائما في الواقع الاجتماعي، تكشف عن ذاتها في كلمات مثل نحن و الذات وفي هذا الصدد أكد كولي أهمية الرموز والأنماط والمستويات الجمعية، والقيم والمثل التي تعتبر موجهات للعملية الاجتماعية، ولعملية التنظيم الاجتماعي، وطالما أن تلك العملية الأخيرة تعتبر موجهة عن طريق القيم والمثل الاجتماعية، فإن الضبط الاجتماعي إذن هو تلك العملية المستمرة التي تكمن في الخلق الذاتي للمجتمع أي أنه ضبط ذاتي يقوم به المجتمع، فالمجتمع هو الذي يضبط، وهو الذي ينضبط في الوقت نفسه، وبناء على ذلك فالأفراد ليسوا منعزلين عن العقل الاجتماعي، بل هم جزء عنه والضبط الاجتماعي يفرض على الكل الاجتماعي وبواسطته، وهو يظهر في المجتمعات الشاملة والجماعات الخاصة أيضا.
وقد رفض كولي تلك الفكرة التي مؤداها أن أوجه النشاط الاجتماعي تتحرك أو تندفع عن طريق الغرائز، وكانت الوقائع الفريدة في نظره تتمثل في الأشخاص الذين يعيشون في مجتمع لديه معان مشتركة تحدد أنشطة هؤلاء الأشخاص، واستخلص من ذلك أن سلوك الفرد ينضبط –إلى حد كبير- من خلال نمو الضمير، الذي يتم عن طريق المشاركة، ولو أن هذه العلمية تتم بطريقة غير شعورية وغير مقصودة. ولذلك فإن الضبط عند كولي متضمن في المجتمع ذاته، وهو ينتقل إلى الفرد عن طريق المشاركة، ومن بين الأفكار الشائعة التي يمكن إسنادها إلى كولي، فكرة الجماعة الأولية حيث أكد في كتابه عن الطبيعة الإنسانية والنظام الاجتماعي دور التنظيمات القائمة على المودة والعلاقات المباشرة في تطوير ونمو الذات الاجتماعية، وبالتالي أثرها الهام في عملية الضبط الاجتماعي للسلوك.
4-  نظرية بول لانديز: (نظرية وظيفية)
يعد بول لانديز من أهم رواد هذه النظرية الذي اهتم فيها بدراسة مكونات البناء الاجتماعي ودورها في الضبط الاجتماعي، كما اهتم بالعلاقات الوظيفية بين النظم الاجتماعية، ثم بينها وبين عملية الضبط الاجتماعي، وقد ذهب إلى أنه يمكن تصور النظم الاجتماعية منتظمة على هيئة متصل نظري، يوجد في أحد أطرافه التفكك الاجتماعي، وفي الطرف الآخر توجد أكثر نماذج التنظيم الاجتماعي شدة وصرامة. وبين هذين الطرفين توجد منطقة تسامح واسعة، أما الطرف الذي يوجد فيه التفكك الاجتماعي، فهو الذي يتميز بالاتجاهات الفوضوية وبالنزعات الفردية الواضحة، بينما يتميز التنظيم الصارم باعتماده على السلطة المطلقة، بل إنه قد يصل في قوته إلى حد أن يصبح ديكتاتوريا وتتميز مكانته بأصولها الوراثية.
وإذا نظرنا إلى التاريخ نظرة شاملة، فإننا نجد أن المجتمع نفسه يمكن أن يتحرك من نقطة إلى أخرى على هذا المتصل، وقد تتميز بعض الأوضاع الاجتماعية في مجتمع معين بالثبات لفترة طويلة من الزمن. والحقيقة التي تسترعي النظر، أن المرونة، أو التساهل الشديد يمكن أن يعقبهما نوع من التنظيم الصارم الموحد، والعكس صحيح، أي أن مرحلة التنظيم الصارم يمكن أن تعقبها مرحلة تتميز بالتساهل الشديد في المسائل المتعلقة بالضبط الاجتماعي سواء في مجال الأسرة، أو الدين، أو التعليم، أو النسق القانوني ذاته.
وقد كانت المسألة الأساسية في نظر لانديز لا تنصب فقط على كيفية تدعيم النظام الاجتماعي، بل وعلى كيفية تدعيم المجتمع ذاته، ومعاونته على الاستمرار في وجوده، ولذلك فقد اهتم بالطريقة التي تجعل الفرد يتلاءم مع كل ما هو اجتماعي، أكثر من اهتمامه بالطريقة التي تتبعها الجماعة لكي تقيم نسق الضبط. ومن ثم، فقد كانت الفكرة التي تدور حولها دراسة لانديز متمثلة في التساؤل الآتي: كيف تمارس المؤثرات الاجتماعية نوعا من الضبط على الفرد ؟ وفي هذا الصدد، يعترض لانديز على هؤلاء الباحثين الذين أشاروا في تعريفهم للضبط إلى أنه يضم فقط تلك المؤثرات التي يتمكن المجتمع عن طريقها من تنظيم أوجه نشاط الأعضاء، أي العوامل المقصودة التي تعمل على تنظيم السلوك، ويرى أن هناك كثيرا من نماذج الضبط التي توجد في الجماعة، وتؤدي وظيفتها دون أن يشعر بها الفرد، وكذلك يعترض لانديز على الثقافة الحضرية الصناعية التي تعتمد –إلى حد كبير- على وسائل الضبط العقلانية- والرسمية، وخصوصا تلك التي تتمثل في القانون، ويرى أنه قد ثبت عدم فاعلية هذه الصورة من صور الضبط بالنسبة للمؤثرات الأخرى التي تمارسها الجماعات الأولية التي وجدت على مر العصور بالرغم من أن الضبط العقلاني يقوم بدوره في مواقف معينة.
ويمكن تلخيص الأفكار الأساسية التي أوردها لانديز في نظريته عن الضبط الاجتماعي فيما يلي:
‌أ-     ماهية الضبط الاجتماعي:
ينظر لانديز إلى الضبط الاجتماعي بوصفه عملية تنظيم عن طريق عوامل غير شخصية، ويرى أنه من الخطأ أن نسأل عمن يمارس الضبط، لأن هذا التساؤل يدل على سوء فهم للعمليات الاجتماعية. فالأفراد والجماعات والسلطات الخاصة والقادة، يمارسون وظيفة معينة في الضبط، ويؤيد لانديز العلماء الذين ذهبوا إلى أنه توجد وراء هؤلاء الملوك، والحكام القائمين بالحكم، وأصحاب السلطة في المجتمع، قوى أو عوامل غير شخصية، تمنح الحاكم سلطته، وهي تتمثل في التقاليد والعادات، والأعراف التي تقوم بضبط سلوك القائمين بالضبط أنفسهم.
‌ب- دور الثقافة في الضبط:
تعتبر تجربة الإنسان في الجماعة متداخلة، ومتفاعلة مع ثقافة تلك الجماعة إلى درجة أنه غالبا ما يكون من الصعب أن نميز بين ما هو اجتماعي وما هو ثقافي، فالثقافة بمعنى ما، هي نتاج تجربة الجماعة، وتعتبر الثقافة ذات أهمية بالغة بالنسبة للضبط الاجتماعي لأنها تمنح التجربة الإنسانية خاصية الدوام والاستمرار، ومن أهم العناصر التي تشتمل عليها الثقافة، والتي تمارس فاعليتها في ضبط سلوك الأفراد للعادات الشعبية، والسنن الاجتماعية، والأعراف، ويرى لانديز أن قليلا من يعترف بأهمية الممارسات التقليدية في ضبط سلوك الناس، وأرجع سبب عدم الإحساس بأهميتها إلى أنها عامة في التجربة الاجتماعية برمتها ووجد أننا نفعل أشياء كثيرة جدا لمجرد أننا قد تعودنا على ذلك أو لأن أجدادنا كانوا يمارسونها، ولكننا بدلا من أن نعترف بتلك الحقيقة، نلجأ إلى تفسير أفعالنا بالبواعث الخلقية، أو العلمية أو الدينية واستنتج من هذا كله أن الماضي يحكم الحاضر، والحاضر يحكم المستقبل وأن الإنسان مخلوق من صنع الزمان، ماضيه، ماضيه يساعده على حل مشاكل الحاضر ويمده بالوسائل والأساليب اللازمة لذلك.
‌ج-  تصنيف وسائل الضبط الاجتماعي:
صنف لانديز وسائل الضبط الاجتماعي إلى قسمين:
·       الصنف الأول يشتمل على تلك الوسائل الضرورية لإيجاد النظام الاجتماعي، وهي عبارة عن جميع العمليات الاجتماعية التي تستخدم في بناء الشخصية، والقيم، والعادات الاجتماعية.
·       الصنف الثاني يضم وسائل تدعيم النظام، التي تنقسم بدورها إلى مجموعتين الأولى هي الأبنية الاجتماعية المختلفة: كالجنس، والطبقة، والجماعة الأولية والثانوية. والثانية هي النظم الاجتماعية: كالأسرة، والدين والمدرسة والاقتصاد والقانون والعلم والتكنولوجيا. وهو يعلم تماما أن هناك عدة وسائل تعتبر مشتركة بين هذين القسمين، أي أن هناك وسائل تؤدي إلى إيجاد النظام، وتدعيمه في الوقت نفسه، ولكنه وجد ضرورة التمييز بينها بغرض الفهم والتحليل.
‌د-   البناءات الاجتماعية ودورها في تدعيم النظام:
·        مكانة الجنس (النوع)
هناك فروق أساسية بين الجنسين، تقوم على اختلاف الخصائص الجسمية لكل منهما، ويضاف إلى عوامل الاختلاف البيولوجية أمور ثقافية عرفية تظهر الملبس والعادات والأخلاقيات.
ولكن معظم الثقافات وضعت الرجل في مركز القيادة وربما يكفي ذلك على حد تعبير لانديز كدليل على تلك الحقيقة التي تؤكد أن الرجل بطبيعته هو الأقوى، وبناء على ذلك، فهناك رموز تميز بين الجنسين كالأسماء والملابس، والشكل العام الخارجي، ومهما وجدنا من ثقافات تنادي بالمساواة بين الجنسينـ فإنه من الصعب بالنسبة لأية ثقافة منها أن تتجاهل كلية مسألة التمييز بينهما.
أما عن أهمية مكانة الجنس في الضبط الاجتماعي، أو في تدعيم النظام الاجتماعي، فإنها تكمن في أن معظم الثقافات تنسب للذكور والإناث، أدوارا متميزة ولا يقتصر الاختلاف بين الجنسين على الأعمال والأدوار التي تنسب إلى كل منهما، بل ويمتد إلى أنساق الملكية أيضا، وفي هذا الصدد يرى لانديز أن هناك تغيرا كبيرا طرأ على أدوار الجنس في العالم الحديث.
ولكن المشكلة الرئيسية في العلاقات الحديثة بين الجنسين، وفي الأزواج، هي أن الرجال والنساء لا يجدون أدوارا، ومكانات محددة وواضحة ومتميزة، ولذلك فقد أصبحت أهمية المكانات المكتسبة، تزداد باستمرار مما أدى إلى أن المرأة في عالمنا هذا تمر بتجربة قاسية، وتشعر بصراع دائم بين ما يجب عليها أن تقوم به كامرأة عصرية، وما قد تلقته من تدريب أسري أثناء طفولتها، ويؤيد لانديز ما ذكرته مارجريت ميد في هذا الصدد من أن الدور الرئيسي للمرأة هوة ذلك الذي تقوم به في نظام الزواج، ولكن المجتمع الحديث يهدد هذا الدور وبالتالي، يؤدي إلى إيجاد مشاكل عديدة في الضبط الاجتماعي.
·        مكانة الطبقة:
يتعرض لانديز بعد ذلك لمكانة الطبقة، ولدورها في الضبط الاجتماعي، وهو يفرق في هذا الصدد بين نسق الطبقة المغلق، ونسق الطبقة المفتوح، ويرى أن الأول يسوق حرية الحركة والتنقل، ويضع أهمية كبرى للمولد، والامتيازات الأخرى كالثروة والقوة. أما النسق المفتوح، فهو أقل صرامة كأداة للضبط الاجتماعي، لأنه يسمح بالتنقل الاجتماعي الرأسي في كل نظام اجتماعي، ويعلن أهمية كبرى على قدرات الشخص ومواهبه، وينظر إلى المكانات المكتسبة باعتبار أنها تدل على مدى احترام المجتمع للفردية، وللتجديد، وأن وجودها يعتبر قوة دافعة وقوية نحو تحقيق مزيد من الفردية، أما المكانات التقليدية الموروثة، فلديها فاعليتها في الضبط الاجتماعي.
‌ه-   النظم ودورها في تدعيم النظام:
v    الأسرة:
أشار لانديز إلى دور النظم الاجتماعية في الضبط، وهنا يظهر اتجاهه الوظيفي بوضوح، فقد ذهب إلى أن الأسرة، وحدها لا تستطيع أن تقوم بدور الضبط، وإنما هناك نظم اجتماعية متعددة تعاونها في تلك الوظيفة، وأن هناك اعتمادا متبادلا بين النظم، فكل منها يكمل الآخر، وتكلم عن الأهمية النسبية لكل نظام فأكد أن درجة النجاح الذي يمكن أن تحرزه الأسرة باعتبارها هيئة للضبط الاجتماعي تختلف باختلاف المجتمع ذاته، ومسألة الضبط تختلف أيضا من أسرة إلى أخرى في نفس المجتمع. وإذا فشلت الأسرة في وظيفتها في الضبط، وإذا لم يستطع أي نظام آخر أن يأخذ على عاتقه القيام بهذه المسؤولية فإن الطفل سوف ينحرف.
v    الدين:
والواقع -كما يرى لانديز- أن الهيئات الدينية في المجتمع الغربي، بالرغم من اهتمامها بالمشاكل العصرية، فإنها تجد أحيانا بعض الصعوبات في أن تفرض نفوذها على الفرد، وذلك نظرا لأن هناك تنظيمات أخرى متعددة في المجتمعات الغربية تقوم بنفس المهمة ولا تستخدم الباعث الديني المباشر، فإننا لا نجد اهتماما شديدا من جانب الناس للاشتراك في منظمات أو هيئات دينية، لكي يصبحون أعضاء صالحين في المجتمع وأشخاصا على خلق.
وليس معنى ذلك أن الدين لم يعد قوة فعالة في ضبط المجتمعات الغربية في يومنا هذا، وإنما المقصود أن الهيئات الدينية لم تعد تسيطر على فكر وحياة الأمم كما كانت تعمل من قبل، أي أنها لم تعد هي النظام الأساسي في حياة الناس.
v    المدرسة:
أصبحت المدرسة في العصر الحديث الأداة الرئيسية التي أسندت إليها مهمة التنشئة الاجتماعية، وأخذت على عاتقها القيام بتلك الوظائف التي فشل المنزل وكذلك الكنيسة في القيام بها، وهي تعليم الأخلاق. ومن ثم زاد الاهتمام بها كهيئة للضبط الاجتماعي، وأصبح نسق المدرسة في أية أمة، محاولة كبرى لضبط السلوك وضبط مستقبل الأمة عن طريق تربية العقول، وتنمية الشخصيات، إنها بذلك تعتبر جزء من نسق أكبر هو المجتمع والضبط الاجتماعي.
v    النظم الاقتصادية:
تقوم النظم الاقتصادية بدور هام في ضبط سلوك أعضاء المجتمع، والعمل يدعم النظام الاجتماعي أكثر مما يتصور الإنسان، لأن مجرد وجود الإنسان في عمله، يعني أن وقته مشغول، وأنه يتصرف بطريقة معينة في معاملة زملائه ورؤسائه، ويقوم بمهام محددة. وتعتبر القيم النقدية أيضا وسيلة محركة وضابطة للسلوك الإنساني.
v    القانون والحكومة:
يعترف لانديز بأهمية القانون والحكومة في الضبط الاجتماعي، فيرى أنه حتى في تلك المجتمعات التي تتميز بالديمقراطية، تعتبر الدولة الهيئة الرئيسية التي تحتل السلطة المطلقة في كثير من الأنشطة، فهي تمارس سيادتها في كثير من مجالات السلوك والعقوبات، هي التي تدعم البناء الاجتماعي للدولة الحديثة، وقد أصبح القانون الوسيلة الوحيدة التي تستطيع الحكومة عن طريقها أن تحكم وتضبط السلوك. ومن أجل هذا تتجه الحكومات الحديثة إلى تأكيد أهمية التشريع الاجتماعي في مجال الضبط الاجتماعي.
v    العلم والتكنولوجيا:
الواقع أنه قد صاحب التقدم العلمي، تغيرا هائلا في مجال التكنولوجيا أثر بدوره على النظم الاجتماعية، وعلى طريقة توافق الإنسان مع العالم الخارجي. ومن أهم مظاهر هذا التأثير التغير الذي طرأ على بناء الأسرة، ووظائفها وما صاحب ذلك من انتقال بعض وظائف الأسرة إلى المدرسة.
ويمكن القول بأن التقدم العلمي والتكنولوجي، قد أدى إلى تحطيم كثير من الضوابط الاجتماعية التقليدية التي انبثقت من الجماعة الأولية، وإحلال ضوابط أخرى أكثر رشدا واتساما بالرسمية ويرى لانديز بهذا الصدد أن العلوم الاجتماعية تستطيع عن طريق إجراء دراسات متعمقة في ميادين العمل، والصناعة والأسرة، والمدرسة والقانون –أن تعمل على تحسين الضوابط الاجتماعية القائمة لكي تتلاءم مع الوضع الراهن.







0 تعليق على موضوع "النظريات التقليدية للضبط الاجتماعي"


الإبتساماتإخفاء